بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فإنه في هذه الأيام يكثر السؤال عن شهر رجب (فضله وصيامه..) ولعلي في هذه العجالة أذكر بعض الأحكام المتعلقة بهذا الشهر فأقول مستعينا بالله - تعالى -:
• رجب أحد الأشهر الحُرم:
قال - تعالى -: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (التوبة: 36) والأشهر الحرم هي محرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة عن أبي بكرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان) رواه البخاري (4662) ومسلم (1679).
* وقد سُميت هذه الأشهر حُرما:
1/ لتحريم القتال فيها إلا أن يبدأ العدو.لذا يُسمى رجب الأصم لأنه لا يُنادى فيه يا قوماه أو لأنه لا يُسمع فيه صوت السلاح.
2/ لتحريم انتهاك المحارم فيها أشد من غيرها.
وسُمي رجبٌ رجباً لأنه كان يُرجَّب أي يُعظَّم. (لطائف المعارف / 225)
* دعاء دخول رجب:
عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا دخل رجب (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان) رواه أحمد 1/259 والبزار (616 زوائد) والطبراني في الأوسط (3939) والبيهقي في الشعب (3815) وهو من رواية زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري قال البخاري (منكر الحديث) ا. هـ شعب الإيمان 3/375 وضعفه الحافظان ابن رجب وابن حجر - رحمهما الله - تعالى -(لطائف المعارف/234).
• العمرة في رجب:
يخص بعض المسلمين شهر رجب بعمرة ظنا منهم أن لها فضلا وأجرا والصحيح أن رجبا كغيره من الأشهر لا يخص ولا يقصد بأداء العمرة فيه، والفضل إنما في أداء العمرة في رمضان أو أشهر الحج للتمتع، ولم يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر في رجب وقد أنكرت ذلك أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -. (رواه البخاري 1775).
• بدع شهر رجب:
من العبادات التي أحدثها الناس في شهر رجب ما يلي:
أولا: صلاة الرغائب: وهي اثنتا عشرة ركعة بعد المغرب في أول جمعة بست تسليمات يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة القدر ثلاثا والإخلاص ثنتي عشرة مرة وبعد الانتهاء من الصلاة يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - سبعين مرة ويدعو بما شاء. وهي بلا شك بدعة منكرة وحديثها موضوع بلا ريب وذكرها ابن الجوزي في (الموضوعات 2/124) وقال النووي - رحمه الله تعالى -" واحتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب قاتل الله واضعها ومخترعها فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة وفيها منكرات ظاهرة وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها ودلائل قبحها وبطلانها وتضلل فاعلها أكثر من أن تحصر " ا. هـ (شرح مسلم 8/20 الأدب في رجب للقاري /43 نيل الأوطار 4/337) وقال الخطابي - رحمه الله تعالى -" حديث صلاة الرغائب جمع من الكذب والزور غير قليل " ا. هـ (الباعث لأبي شامة / 143)وقال الحافظ ابن رجب - رحمه الله تعالى -" فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء... وأول ما ظهرت بعد الأربعمائة فلذلك لم يعرفها المتقدمون ولم يتكلموا فيها " ا. هـ(لطائف المعارف / 228).
ثانيا: صلاة النصف من رجب:
وهو من الأحاديث الموضوعة (الموضوعات لابن الجوزي 2/126)
ثالثا: صلاة ليلة المعراج:
وهي صلاة تصلى ليلة السابع والعشرين من رجب وتسمى: صلاة ليلة المعراج وهي من الصلوات المبتدعة التي لا أصل لها صحيح لا من كتاب ولا سنة (أنظر: خاتمة سفر السعادة للفيروز أبادي /150 التنكيت لابن همات /97) ودعوى أن المعراج كان في رجب لا يعضده دليل قال أبو شامة - رحمه الله تعالى -" ذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب " ا. هـ (الباعث /232 مواهب الجليل 2/408).
وقال أبو إسحاق إبراهيم الحربي - رحمه الله تعالى -" أُسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الأول" ا. هـ (الباعث /232 شرح مسلم للنووي 2/209 تبيين العجب /21 مواهب الجليل 2/408).
ومن يصليها يحتج بما رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (في رجب ليلة كُتب للعامل فيها حسنات مائة سنة وذلك لثلاث بقين من رجب.. ) رواه البيهقي في الشعب 3/374 وضعفه كما ضعفه الحافظ ابن حجر في تبيين العجب (25) وقال القاري " ضعيف جدا " الأدب في رجب / 48 أقول: أمارات الوضع ظاهرة عليه فقد أجمع العلماء على أن أفضل ليلة في السنة ليلة القدر وهذا الخبر يخالف ذلك.
ومن بدع تلك الليلة: الاجتماع وزيادة الوقيد والطعام قال الشيخ علي القاري " لا شك أنها بدعة سيئة وفعلة منكرة لما فيها من إسراف الأموال والتشبه بعبدة النار في إظهار الأحوال " ا. هـ الأدب في رجب /46
* صيام رجب:
رجب كغيره من الأشهر لم يرد في الترغيب في صيامه حديث صحيح بل يُشرع أن يصام منه الإثنين والخميس والأيام البيض لمن عادته الصيام كغيره من الأشهر أما إفراده بذلك فلا.
أما ما يذكره الوعاظ والقصاصون في الترغيب في صيام شهر رجب كحديث (إن في رجب نهرا يقال له رجب ماؤه أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل من صام يوما من رجب شرب منه) وهو حديث موضوع رواه ابن الجوزي في الواهيات (912) وقال الذهبي " باطل " ا. هـ الميزان 6/524 ..
وحديث (رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات فمن صام يوما من رجب فكأنما صام سنة ومن صام منه سبعة أيام غلقت عنه سبعة أبواب جهنم ومن صام منه ثمانية أيام فتح له ثمانية أبواب الجنة ومن صام منه عشر أيام لم يسأل الله إلا أعطاه ومن صام منه خمسة عشر يوما نادى مناد في السماء قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل ومن زاد زاده الله) رواه البيهقي في الشعب (3801) والطبراني في الكبير (5538) وعده الحافظ ابن حجر من الأحاديث الباطلة (مواهب الجليل 2/408) وقال الهيثمي " وفيه عبد الغفور يعني ابن سعيد - وهو متروك " ا. هـ مجمع الزوائد 3/188 وقد ذكر الحافظان ابن الجوزي وابن حجر - رحمهما الله - تعالى -جملة من الأحاديث الباطلة والموضوعة في فضائل شهر رجب (أنظر مواهب الجليل 2/408)..
وأختم بما ذكره الحافظان ابن القيم وابن حجر - رحمهما الله - تعالى -تلخيصا لما ذكرناه:
قال ابن القيم: " كل حديث في ذكر صوم رجب وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفترى " ا. هـ المنار المنيف /96
وقال الحافظ ابن حجر " لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا صيام شيء منه معيَّن ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة " ا. هـ تبيين العجب / 11 (وأنظر: لطائف المعارف /228) أسأل الله - تعالى -بمنه وكرمه أن يوفقنا لاتباع السنة واجتناب البدعة إنه جواد كريم والله - تعالى -أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...